المادة    
  1. دور عبد الله بن سبأ في الفتنة

    ثم ظهرت الفرقة الثانية، وظهورها لم يكن متأخراً عن ظهور الخوارج، وهي فرقة الشيعة، وأول من أوجد بذرتها هو عبد الله بن سبأ، ذلك الرجل اليهودي الخبيث الذي تظاهر بالإسلام، وأشعل الفتنة في مصر وفي الكوفة وغيرهما، ثم جاء أصحابه المفتونون وارتكبوا تلك الجريمة الشنيعة، وهي قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم اندسوا في صفوف المسلمين وأخذوا يشعلون نار الفتنة بينهم، كما حصل في يوم الجمل، عندما اندس أولئك السبئية بين الصفين، وبعد أن كاد يلتئم ما بين القوم، بفضل بعض المصلحين الساعين في الخير، ومنهم كعب بن سور قاضي البصرة، إذا بهؤلاء الخبثاء يشعلون نار الحرب، ويتراشقون بالسهام، ويؤججون نار القتال، فاشتعل القتال بين الفريقين، وظن كل منهما أن الآخر قد خدعه، ثم كانت تلك الفتنة التي قتل فيها من كبار الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- من قتل.
  2. أوجه الشبه بين بولس وبين عبد الله بن سبأ

    ولما أراد ابن سبأ وحزبه أن يبذروا بذرة الفساد في الأرض بمستوى أعمق -وهذا من الفتنة التي أرادها الله لحكمة يعلمها- ادعوا محبة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فزعم عبد الله بن سبأ أن علياً رضي الله عنه هو الله، وأن الله قد حلَّ في علي، وهذه هي عقيدة الحلول التي أخذها من النصارى، وهو يعلم أن شاؤول -الذي كان من اليهود- حين أراد أن يفسد دين المسيح عليه السلام، دخل فيه، وبعد أن اطمأن إليه أتباع المسيح زعم أن المسيح إله، وأنه ابن الله - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً -فأفسد بذلك النصرانية، فجاء عبد الله بن سبأ وأراد أن يفسد دين الإسلام بنفس الطريقة، فاليهود وراء فساد الأديان، كما أنهم وراء فساد الأخلاق والأعراض في كل زمان ومكان، فادعى في علي ما ادعاه شاؤول -الذي يسمى بولس في المسيحية - في المسيح عليه السلام.
  3. قتال علي للسبئية

    خرج علي رضي الله عنه من بيته ذات يوم، فلما رآه أصحاب عبد الله بن سبأ خروا له سجداً، فقال: كيف تسجدون لغير الله؟! قالوا: أنت هو! قال: من هو؟ قالوا: أنت الله..!
    فعظم ذلك عليه جداً رضي الله عنه، وأنذرهم وأمهلهم ثلاثة أيام كي يتوبوا، فمرت الثلاثة الأيام ولم يتوبوا، فحفر الأخاديد وأشعلها ناراً، وألقاهم فيها رضي الله عنه، واعترض على ذلك -أي على العقوبة بالنار- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، محتجاً بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم -وسمعه منه- أنه قال: {لا تعذبوا بعذاب الله}، وعلي رضي الله عنه لم يرد بتعذيبهم بالنار إلا زيادة النكاية بهم، فكان ذلك فتنة لهم، حيث إن عبد الله بن سبأ لم يُلقَ في النار، وإنما كان ممن نفي إلى المدائن -التي كانت عاصمة الفرس- فلما نفي أخذ ينشر عقيدته الخبيثة، ويقول: ألم أقل لكم إنه إله؟! لا يعذب بالنار إلا الله - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً - وإنما نفاه علي إلى المدائن، لأنه خاف إن قتله أن يحدث في جيشه فتنة، ووجد ابن سبأ المناخ المناسب لزرع بذرته، حيث إن بلاد الفرس لديها القابلية لعقيدة الحلول؛ لأن عقيدة الحلول والاتحاد موجودة في دين المجوس من قبل، ولديهم شيء آخر وهو أنهم يعظمون الأسر الحاكمة، ويرون أن الحكم لا يكون إلا وراثياً متسلسلاً في بيت كسرى، ولهذا لما مات كسرى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يولوا رستم ولا جابان ولا ماهان، ولا الهرمزان، ولا غيرهم من الأبطال والقادة، وإنما ولوا بنت كسرى -وكانت لا تزال في شبابها، ولا خبرة لها بالملك ولا بالحكم- التزاماً بقاعدة أن الملك لا يكون إلا وراثياً، وهذه قاعدة راسخة لديهم.
    وكانوا يعتقدون أن في ملوكهم جزءاً من الألوهية، وأن الله يحل في هؤلاء الملوك -تعالى الله عما يقولون- فوجدها عبد الله بن سبأ فرصة، وكان في بلاد فارس -ولا يزال- يهود في أصفهان وفي غيرها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون ألفاً}، فهم لا يزالون إلى أن يظهر الدجال، وهم يتعاونون مع أعداء الله تعالى، ومع كل حاقد على الإسلام إلى يوم خروج الدجال؛ فلما ألقى عبد الله بن سبأ بذرة التشيع، كان ذلك مما تلاءم مع عقائد أولئك القوم.
    ويضاف إلى ذلك أمر مهم جداً، وهو حقد أولئك القوم على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ؛ لأنه هو الذي دمرت جيوشه مملكتهم، وهدمت عرشهم، وأسقطت دينهم وحضارتهم وأذلتهم، وهؤلاء الشيعة ينادون أن خلافة أبي بكر وعمر باطلة، وأنهما كانا كافرين، رضي الله عنهما، وأنهما اغتصبا الخلافة من علي، وأنكرا ما أمر به الله ورسوله من حق علي في الخلافة.
    فناسب هذا ما كان يريده عبد الله بن سبأ، فانتشر التشيع في تلك البلاد -خاصة- دون غيرها لتلك الأسباب، فاستطاع بسهولة أن يقول لهم: إن علياً هو الأولى بالخلافة؛ لأنه أقرب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر من بني تيم، وأما عمر فهو من بني عدي، فهذا أقرب إلى ما كانوا يألفونه من تسلسل الملك، وكذلك الغلو والحقد الموجود لديهم موجود لديه، فاتفق الجميع، وانتشر بذلك هذا المذهب الخبيث، وهو مذهب الرافضة.
  4. الفوارق الأخلاقية بين الخوارج والشيعة

    ويختلف الشيعة عن الخوارج في الأمور الأخلاقية اختلافاً أساسياً، فمن ذلك: أن الخوارج أهل صدق وشجاعة ووفاء، وهم قوم تضرب الأمثال بشجاعتهم وبصدقهم، فهم يعتقدون أن الإنسان إذا كذب فقد كفر، ولهذا كانوا صادقين، ويعتقدون أن الإنسان يجب أن يصدع بالحق، وأن يقول ما يرى أنه حق، فلذلك كانوا يدعون إلى عقيدتهم دعوة علنية واضحة، ويحاربون الدول، دولة إثر دولة؛ من أجل أن تقوم عقيدتهم وفكرتهم بالقوة.
    أما الروافض فإنهم أكذب الناس، يستحلون الكذب، ويتخذون التقية عقيدة لهم، ويقولون: يجب أن يُظهر الشيعي ما يوافق الناس ويخفي عقيدته الحقيقية، ولذلك فمن الصعب أن نعلم هل قد تاب أحدهم أم لم يتب! لأنه يظهر أنه موافق لنا، وأنه يريد الحق، وهذا كله تقية فهذه صفات أساسية يتميز بها الشيعة عن الخوارج، وكلاهما على ضلالة وشر، نسأل الله العافية.
  5. فرق الشيعة

    ثم تطورت عقيدة الشيعة، وانبثقت من بينهم الباطنية بجميع أنواعها، وظهر منهم الغلاة والمشبهة، وكان هشام بن الحكم الرافضي هو الذي أسس هذا المذهب الخبيث (التشبيه)، ودعا إليه، كما ظهرت فيهم البدع الكثيرة، وكثرت فيهم الفرق، وكانت كل فرقة تكفر الأخرى وتكذبها؛ بل وتلعنها.